فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنزَلَ الله} أي باعوا، فالأنفس بمنزلة المثمن، والكفر بمنزلة الثمن لأن أنفسهم الخبيثة لا تشترى بل تباع وهو على الاستعارة أي إنهم اختاروا الكفر على الإيمان وبذلوا أنفسهم فيه، وقيل: هو بمعناه المشهور لأن المكلف إذا خاف على نفسه من العقاب أتى بأعمال يظن أنها تخلصه فكأنه اشترى نفسه بها فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنه يخلصهم من العقاب ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم وخلصوها فذمهم الله تعالى عليه، واعترض بأنه كيف يدعي أنهم ظنوا ذلك مع قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} [البقرة: 9 8] فإذا علموا مخالفة الحق كيف يظنون نجاتهم بما فعلوا وإرادة العقاب الدنيوي كترك الرياسة غير صحيح لأنه لا يشتري به الأنفس.
ويمكن الجواب بأن المراد أنهم ظنوا على ما هو ظاهر حالهم من التصلب في اليهودية والخوف فيما يأتون ويذرون وادعاء الحقية فيه فلا ينافي عدم ظنهم في الواقع على ما تدل عليه الآية، والمراد بما أنزل الله الكتاب المصدق، وفي تبديل المجئ بالإنزال المشعر بأنه من العالم العلوي مع الإسناد إليه تعالى إيذان بعلو شأنه وعظمه الموجب للإيمان به، وقيل: يحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل وأن يراد الجميع، والكفر ببعضها كفر بكلها، واختلف في ما الواقعة بعد بئس ألها محل من الإعراب أم لا؟ فذهب الفراء إلى أنها لا محل لها وأنها مع بئس شيء واحد كحبذا، وذهب الجمهور إلى أن لها محلًا، واختلف أهو نصب أم رفع؟ فذهب الأخفش إلى الأول على أنها تمييز، والجملة بعدها في موضع نصب على الصفة، وفاعل بئس مضمر مفسر بها، والتقدير بئس هو شيئًا اشتروا به، و{أَن يَكْفُرُواْ} هو المخصوص بالذمّ والتعبير بصيغة المضارع لإفادة الاستمرار على الكفر فإنه الموجب للعذاب المهين، ويحتمل على هذا الوجه أن يكون المخصوص محذوفًا، واشتروا صفة له، والتقدير بئس شيء اشتروا به، و{أَن يَكْفُرُواْ} بدل من المحذوف أو خبر مبتدأ محذوف، وذهب الكسائي إلى النصب على التمييز أيضًا إلا أنه قدر بعدها ما أخرى موصولة هي المخصوص بالذم، واشتروا صلتها، والتقدير بئس شيئًا الذي اشتروا، وذهب سيبويه إلى الثاني على أنها فاعل بئس وهي معرفة تامة، والمخصوص محذوف أي: شيء اشتروا، وعزي هذا إلى الكسائي أيضًا، وقيل: موصولة وهو أحد قولي الفارسي، وعزاه ابن عطية إلى سيبويه وهو وهم، ونقل المهدوي عن الكسائي أن ما مصدرية والمتحصل فاعل بئس واعترض بأن بئس لا تدخل على اسم معين يتعرف بالإضافة إلى الضمير، ولك على هذا التقدير أن لا تجعل ذلك فاعلًا بل تجعله المخصوص والفاعل مضمر والتمييز محذوف لفهم المعنى، والتقدير بئس اشتراء اشتراؤهم فلا يلزم الاعتراض، نعم يرد عود ضمير به على ما والمصدرية لا يعود عليها الضمير لأنها حرف عند غير الأخفش فافهم.
{بَغْيًا أَن يُنَزّلُ الله} البغي في الأصل الظلم والفساد من قولهم بغى الجرح فسد قاله الأصمعي، وقيل: أصله الطلب، وتختلف أنواعه ففي طلب زوال النعمة حسد، والتجاوز على الغير ظلم، والزنا فجور، والمراد به هنا بمعونة المقام طلب ما ليس لهم فيؤل إلى الحسد، وإلى ذلك ذهب قتادة وأبو العالية والسدي، وقيل: الظلم وانتصابه على أنه مفعول له ليكفرون فيفيد أن كفرهم كان لمجرد العناد الذي هو نتيجة الحسد لا للجهل وهو أبلغ في الذم لأن الجاهل قد يعذر، وذهب الزمخشري إلى أنه علة اشتروا ورد بأنه يستلزم الفصل بالأجنبي وهو المخصوص بالذم وهو وإن لم يكن أجنبيًا بالنسبة إلى فعل الذم وفاعله لكن لا خفاء في أنه أجنبي بالنسبة إلى الفعل الذي وصف به تمييز الفاعل، والقول بأن المعنى على ذم ما باعوا به أنفسهم حسدًا وهو الكفر لا على ذم ما باعوا به أنفسهم وهو الكفر حسدًا تحكم، نعم قد يقال: إنما يلزم الفصل بأجنبي إذا كان المخصوص مبتدأ خبره بئسما أما لو كان خبر مبتدأ محذوف وهو المختار فلا لأن الجملة حينئذٍ جواب للسؤال عن فاعل بئس فيكون الفصل بين المعلول وعلته بما هو بيان للمعلول ولا امتناع فيه، وجعله بعضهم علة ل {اشتروا} محذوفًا فرارًا من الفصل، ومنهم من أعربه حالًا ومفعولًا مطلقًا لمقدر أي بغوا بغيًا، و{أَن يُنَزّلٍ} إما مفعول من أجله للبغي أي حسدًا لأجل تنزيل الله، وإما على إسقاط الخافض المتعلق بالبغي أي حسدًا على أن ينزل والقول بأنه في موضع خفض على أنه بدل اشتمال من ما في قوله: {بِمَا أنزَلَ الله} بعيد جدًا، وربما يقرب منه ما قيل: إنه في موضع المفعول الثاني، والبغي بمعنى طلب الشخص ما ليس له يتعدى إليه بنفسه تارة، وباللام أخرى، والمفعول الأول هاهنا أعني محمدًا عليه الصلاة والسلام محذوف لتعينه؛ وللدلالة على أن الحسد مذموم في نفسه كائنًا ما كان المحسود كما لا يخفى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {يُنَزّلٍ} بالتخفيف.
{مِن فَضْلِهِ} أراد به الوحي، ومن لابتداء الغاية صفة لموصوف محذوف أي شيئًا كائنًا من فضله وجوّز أبو البقاء أن تكون زائدة على مذهب الأخفش {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أي على من يختاره للرسالة، وفي (البحر) أن المراد به محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم، وكان من العرب ومن ولد إسماعيل ولم يكن من ولده نبي سواه عليه الصلاة والسلام وإضافة العباد إلى ضميره تعالى للتشريف، و{مِنْ} إما موصولة أو موصوفة. اهـ.

.قال الفخر:

في تفسير الغضبين وجوه:
أحدها: أنه لابد من إثبات سببين للغضبين.
أحدهما: ما تقدم وهو تكذيبهم عيسى عليه السلام وما أنزل عليه والآخر تكذيبهم محمد عليه الصلاة والسلام وما أنزل عليه فصار ذلك دخولًا في غضب بعد غضب وسخط بعد سخط من قبله تعالى لأجل أنهم دخلوا في سبب بعد سبب، وهو قول الحسن والشعبي وعكرمة وأبي العالية وقتادة، الثاني: ليس المراد إثبات غضبين فقط بل المراد إثبات أنواع من الغضب مترادفة لأجل أمور مترادفة صدرت عنهم نحو قولهم: {عَزِيزٌ ابن الله} [التوبة: 30].
{يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64].
{إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} [آل عمران: 181] وغير ذلك من أنواع كفرهم، وهو قول عطاء وعبيد بن عمير، الثالث: أن المراد به تأكيد الغضب وتكثيره لأجل أن هذا الكفر وإن كان واحدًا إلا أنه عظم، وهو قول أبي مسلم.
الرابع: الأول بعبادتهم العجل والثاني بكتمانهم صفة محمد وجحدهم نبوته عن السدي. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي قوله تعالى: {بغضب على غضب} خمسة أقوال:
أحدها: أن الغضب الأول لاتخاذهم العجل، والثاني: لكفرهم بمحمد، حكاه السدي عن ابن مسعود وابن عباس.
والثاني: أن الأول لتكذيبهم رسول الله، والثاني: لعداوتهم لجبريل.
رواه شهر عن ابن عباس.
والثالث: أن الأول حين قالوا: {يد الله مغلولة} [المائدة: 64]، والثاني: حين كذّبوا نبي الله.
رواه أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء.
والرابع: أن الأول لتكذيبهم بعيسى والإنجيل، والثاني: لتكذيبهم بمحمد والقرآن.
قاله الحسن، والشعبي، وعكرمة، وأبو العالية، وقتادة، ومقاتل.
والخامس: أن الأول لتبديلهم التوراة، والثاني: لتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم قاله مجاهد. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَبَاءو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} تفريع على ما تقدم، أي فرجعوا متلبسين بغضب كائن على غضب مستحقين له حسبما اقترفوا من الكفر والحسد.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الغضب الأول: لعبادة العجل والثاني: لكفرهم به صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة: الأول: كفرهم بالإنجيل والثاني: كفرهم بالقرآن، وقيل: هما الكفر بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أو قولهم: {عُزَيْرٌ ابن الله} [التوبة: 0 3] و{يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 4 6] وغير ذلك من أنواع كفرهم، وكفرهم الأخير بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن فاء العطف يقتضي صيرورتهم أحقاء بترادف الغضب لأجل ما تقدم، وقولهم: {عُزَيْرٌ ابن الله} مثلًا غير مذكور فيما سبق، ويحتمل أن يراد بقوله سبحانه: {بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} الترادف والتكاثر لا غضبان فقط، وفيه إيذان بتشديد الحال عليهم جدًا كما في قوله:
ولو كان رمحًا واحدًا لاتقيته ** ولكنه رمح وثان وثالث

ومن الناس من زعم أن الفاء فصيحة والمعنى فإذا كفروا وحسدوا على ما ذكر باءوا الخ، وليس بشيء. اهـ.

.قال الفخر:

الغضب عبارة عن التغير الذي يعرض للإنسان في مزاجه عند غليان دم قلبه بسبب مشاهدة أمر مكروه وذلك محال في حق الله تعالى، فهو محمول على إرادته لمن عصاه الإضرار من جهة اللعن والأمر بذلك. اهـ.
قال الفخر:
إنه يصح وصفه تعالى بالغضب وأن غضبه يتزايد ويكثر ويصح فيه ذلك كصحته من العذاب فلا يكون غضبه على من كفر بخصلة واحدة كغضبه على من كفر بخصال كثيرة. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ} له مزية على قوله ولهم عذاب مهين لأن العبارة الأولى يدخل فيها أولئك الكفار وغيرهم والعبارة الثانية لا يدخل فيها إلا هم. اهـ.

.قال أبو حيان:

ووصف العذاب بالإهانة، وهي الإذلال، قال تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} وجاء في الصحيح، في حديث عبادة، وقد ذكر أشياء محرّمة فقال: «فمن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له» فهذا العذاب إنما هو لتكفير السيئات، أو لأنه يقتضي الخلود خلودًا لا ينقطع، أو لشدته وعظمته واختلاف أنواعه، أو لأنه جزاء على تكبرهم عن اتباع الحق. اهـ.

.قال الألوسي:

{وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ} اللام في الكافرين للعهد، والإظهار في موضع الإضمار للإيذان بعلية كفرهم لما حاق بهم؛ ويحتمل أن تكون للعموم فيدخل المعهودون فيه على طرز ما مر.
والمهين المذل، وأصله مهون فأعل، وإسناده إلى العذاب مجاز من الإسناد إلى السبب والوصف به للتقييد والاختصاص الذي يفهمه تقديم الخبر بالنسبة إليه، فغير الكافرين إذا عذب فإنما يعذب للتطهير لا للإهانة والإذلال ولذا لم يوصف عذاب غيرهم به في القرآن فلا تمسك للخوارج بأنه خص العذاب بالكافرين فيكون الفاسق كافرًا لأنه معذب ولا للمرجئة أيضًا. اهـ.

.قال الثعلبي:

{عَذَابٌ مُّهِينٌ} يُهانون فلا يُعزُون. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{وللكافرين عذاب مهين} أي: ذو إهانة بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه. اهـ.

.قال الفخر:

العذاب في الحقيقة لا يكون مهينًا لأن معنى ذلك أنه أهان غيره وذلك مما لا يتأتى إلا فيما يعقل، فالله تعالى هو المهين للمعذبين بالعذاب الكثير إلا أن الإهانة لما حصلت مع العذاب جاز أن يجعل ذلك من وصفه، فإن قيل: العذاب لا يكون إلا مع الإهانة فما الفائدة في هذا الوصف؟
قلنا: كون العذاب مقرونًا بالإهانة أمر لابد فيه من الدليل، فالله تعالى ذكر ذلك ليكون دليلًا عليه. اهـ.

.قال الطبري:

فإن قال قائل: أي عذاب هو غير مهين صاحبه، فيكون للكافرين المهين منه؟
قيل: إن المهين هو الذي قد بينا أنه المورث صاحبه ذلة وهوانا، الذي يخلد فيه صاحبه، لا ينتقل من هوانه إلى عز وكرامة أبدا، وهو الذي خص الله به أهل الكفر به وبرسله. وأما الذي هو غير مهين صاحبه، فهو ما كان تمحيصا لصاحبه. وذلك هو كالسارق من أهل الإسلام، يسرق ما يجب عليه به القطع فتقطع يده، والزاني منهم يزني فيقام عليه الحد، وما أشبه ذلك من العذاب والنكال الذي جعله الله كفارات للذنوب التي عذب بها أهلها، وكأهل الكبائر من أهل الإسلام الذين يعذبون في الآخرة بمقادير جرائمهم التي ارتكبوها، ليمحصوا من ذنوبهم، ثم يدخلون الجنة. فإن كل ذلك، وإن كان عذابا، فغير مهين من عذب به. إذ كان تعذيب الله إياه به ليمحصه من آثامه، ثم يورده معدن العز والكرامة، ويخلده في نعيم الجنان. اهـ.

.قال الفخر:

قال قوم: قوله تعالى: {وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ} يدل على أنه لا عذاب إلا للكافرين، ثم بعد تقرير هذه المقدمة احتج بهذه الآية فريقان، أحدهما: الخوارج قالوا: ثبت بسائر الآيات أن الفاسق يعذب، وثبت بهذه الآية أنه لا يعذب إلا الكافر فيلزم أن يقال الفاسق كافر.
وثانيها: المرجئة قالوا: ثبت بهذه الآية أنه لا يعذب إلا الكافر وثبت أن الفاسق ليس بكافر، فوجب القطع بأنه لا يعذب وفساد هذين القولين لا يخفى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنفُسَهُمْ} ما نكرةٌ بمعنى شيء، منصوبةٌ مفسِّرةٌ لفاعلِ بئس، واشتَروا صفتُه أو بئس شيئًا باعُوا به أنفسَهم، وقيل: اشترَوْها به في زعمهم حيث يعتقدون أنهم بما فعلوا خلّصوها من العقاب ويأباه أنه لابد أن يكون المذمومُ ما كان حاصلًا لهم لا ما كان زائلًا عنهم، والمخصوصُ بالذم قولُه تعالى: {أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنزَلَ الله} أي الكتابِ المصدّقِ لما معهم بعد الوقوف على حقيقته، وتبديلُ الإنزال بالمجيء للإيذان بعلوِّ شأنه الموجبِ للإيمان به {بَغِيًّا} حسدًا وطلبًا لما ليس لهم، وهو علةٌ لأن يكفُروا حتمًا دون اشتروا لما قيل من الفصل بما هو أجنبيٌّ بالنسبة إليه وإن لم يكن أجنبيًا بالنسبة إلى فعل الذمِّ وفاعلِه، ولأن البغيَ مما لا تعلقَ له بعُنوان البيعِ قطعًا لاسيما وهو معلَّلٌ بما سيأتي من تنزيل الله تعالى من فضله على من يشاؤه وإنما الذي بينه وبينه علاقةٌ هو كفرُهم بما أنزل الله، والمعنى بئس شيئًا باعُوا به أنفسَهم كفرُهم المعلَّلُ بالبغي الكائنِ لأجل {أَن يُنَزّلُ الله مِن فَضْلِهِ} الذي هو الحي {على مَن يَشَاء} أي يشاؤه ويصطفيه {مِنْ عِبَادِهِ} المستأهِلين لتحمُّل أعباءِ الرسالةِ، ومآلُه تعليلُ كفرِهم بالمنزل عليه، وإيثارُ صيغةِ التفعيل هاهنا للإيذان بتجدد بغْيهم حسَب تجدُّدِ الإنزالِ وتكثُّره حسب تكثره {فَبَاءو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ} أي رجعوا متلبسين بغضبٍ كائن على غضب مستحقين له حسب ما اقترفوا مِنْ كفر على كفر فإنهم كفروا بنبيّ الحقِّ وبغَوْا عليه وقيل كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام بعد عيسى، وقيل: بعد قولِهم: عزيرٌ بن الله وقولهم: يد الله مغلولة وغير ذلك من فنون كفرهم {وللكافرين} أي لهم والإظهار في موقع الإضمارِ للإشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم {عَذَابٌ مُّهِينٌ} يراد به إهانتُهم وإذلالُهم لما أن كفرَهم بما أنزل الله تعالى كان مبينًا على الحسد المبنيّ على طمع المنزولِ عليهم وادعاءِ الفضلِ على الناس والاستهانةِ بمن أنزل عليه عليه السلام. اهـ.